تقديرك لذاتك سر نجاحك
تقديرك لذاتك سر نجاحك
نغم حسن بيطار ـ أخصائية في علم النفس العيادي والتربوي.
تقدير الذّات، مصطلح يمرّ على مسمع البعض عابراً، وعلى مسمع آخرين مؤلماً، وعلى مسمع غيرهم تاركاً بهم تساؤلات وسعياً لتحقيقه. ومن يعي هدف وجوده ورسالته الإنسانية يعرف جيّداً، أن تقدير الذّات حاجة أساسيّة للاستمرار الأٌمثل في هذه الدّنيا، وقد ذكرت من ضمن الحاجات الأساسية في هرم ماسلو. ويمكن تعريف تقدير الذات بأنّه الإنطباع أو القيمة التي يعطيها الإنسان لنفسه إن إيجاباً أو سلباً، وهو نسبة رضا الشخص عن نفسه. وإنّ لتقدير الذات أسساً أربعة ذات أهمية عالية ومصادر مختلفة، ولانخفاضه لدى الأفراد أسباباً، ولكن حتما يمكن تحسينه بالعلاج وبعض الخطوات العملية المناسبة له. الأساس الأوّل ل تقدير الذات هو التعرّف على الذات: أي أن يحيط الإنسان بمعلومات كافية وحقيقية عن نفسه وعن متعلقاته. تبدأ من مظهره الخارجي، فهل هو طويلُ أم قصيرٌ؟ سمينٌ أم ضعيفٌ؟ ما لون عينيه؟ كيف هو شكل أنفه؟ كيف يبدو هندامه؟ طبيعة شعره؟ صوته؟ ومن ثم يتعرف على سماته الشخصية، طباعه، مواهبه، مواطن القوة في شخصيته ومواطن الضّعف، طموحاته، أحلامه، ومشاعره، كما لا بد أن يدرك أهله، ونسبه، وبلده، وانتماءه الديني وغير ذلك.
وبعد هذه المعرفة لا بد من الإنسان أن يدخل في الأساس الثاني و هو التقبل الذّاتي. والتقبل الذاتي هو أن يتقبّل الشخص كل ما عرفه عن شكله وذاته وأسرته وكل متعلقاته، يتقبلها بقوتها و ضعفها، بأخطائها ونجاحاتها، بعيدا عن مشاعر اللوم و الذنب و الرفض. كقوّة ينطلق منها لأي تغيير يبتغيه فيما بعد. وتأتي القيمة الذاتية كأساس ثالث، فهي تلك الأهمية التي تعطي للإنسان وجوداً ومعنى، فحين خلق الله تعالى الإنسان خلق له أدواراً شتّى، وأهميّة حقيقية في كل مكان قد يتواجد فيه، وقد خصّه بالعقل، وشتّى المواهب، كما قدرّه و ميّزه عن سائر الكائنات، فعندما يبدأ الإنسان بالنظر إلى إنجازاته الصغيرة، ومميزاته، و حين يعثر على أهميته و الهدف الحقيقي من وجوده في مجتمعه، مثلا أن تعرف الأم أهمية دورها الأمومي في أسرتها، والإبن دوره كإبن مهم في أسرته، و المعلم في مدرسته، و العالم في أبحاثه، و الطبيب في عيادته، والمزارع في حقله، يعرف أن حياته ذات معنى أكبر بكثير مما قد يظن يوماً، وتزداد هذه الأهمية كلّما ثبت الهدف و سما واتّخذ صورة جوهريّةً في حياة صاحبه. وأخيراً يأتي الأساس الرابع وهو الحب الذاتي، هنا حيث لا بد للإنسان بعد أن تعرف على ذاته و تقبلها واختبر أهميتها أن يبدأ بحب ذاته كما هي دون السماح لأي حاجز أو عثرة أن تقف بينه و بين هذا الحب كما ولا بد أن يبدأ بحل كل العثرات الممكنة الوجود. فحب الذات هو حب لتلك الهدايا والمنح الإلهية التي تغمره.
فماذا قد تكون تلك العثرات التي تحول بين المرء وتقديره لذاته؟ أولا والأهم البرمجة الطفولية، فالطفل الذي ولد منبوذاً من أسرته، أو ذلك الذي تعرض للكثير من النقد، أو ذلك الذي تلقى تربية قاسية يختلف في تقدير لذاته مع الطفل الذي تربى على الحب و التوافق و الانسجام العائلي و الدعم النفسي. فيدخل ضمن العثرات الحرمان العاطفي، سوء المعاملة، الاضطرابات النفسية، التجارب الفاشلة، وغيرها. وتتقدم الخطوات العلاجية خطوة تقبل الذّات دون قيد أو شرط، ففي اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أنه ليس كاملا و لا مثاليا وأنّه ساعٍ في طريق لا نهاية له، يحق له الخطأ والرجوع، يحق له الضعف والتعب واخذ استراحات، فإن مشاعر الراحة والتقبل تأخذ بالتمدد في أعماق مشاعره المكبّلة و تحرّرها شيئا فشيئاً. يتبعها العمل على تغيير البرمجة السابقة، فالطفل الذي تربى وفي أعماقه مثلا شعورا بأنه أقل جمالا أو كفاءة من الأخرين لا بد أن يقف ويضع نفسه في دائرة الإختيار، ويحدد ماذا يريد أن يكون و من هو في الحقيقة، ويضع خطة التغيير فيحوّل البرمجة السابقة إلى ماضٍ لا مكان له في حاضرٍ اختاره لنفسه. ولا بد بعد ذلك أن يتحمل كامل المسؤولية عن ذاته، وذلك بحسن التعامل والإهتمام بصحته الجسدية و النفسية على حدّ سواء، فيقوّي مناعته فيهما. ويعلم في النهاية أنه هو من يصنع الإحترام لشخصه، فاحترامك لذاتك يجبر الآخرين على احترامك، وثقة المرء أنه يستحق الإحترام لا بد أن ترفع تقدير لذاته بدرجات أسرع . وأخيرا خلق الله عز و جل الإنسان وأحبّه واختصه بالرحمة والعلم و الفهم والعقل، أعطاه الكثير من المواهب التي لو قرر الإنسان أن يستفيد من جزء من هذه المواهب و العطاءات الموجودة في شخصه، لاندفع و انطلق و حقق الكثير من الإنجازات. يكفي للإنسان أن يدرك حجم هذه القيمة الكونية العظيمة التي تسكن في أعماقه ويوليها اهتماما ليبدع ويرتقع بذلك تقديره لذاته أضعافاً. وفي القول : "أتحسب أنك جرما صغيرا وفيك انطوى العالم الأكبر؟" لو انطلق أي شخص من هذا البيت لعمّر كوناً كاملاً من الثقة و الحب اللامتناهي ولتغافل عن كل ما دون ذلك من محبطات فتصير بذلك الدنيا مسرحا للتجديد و الإبداع والتقدير.