التفكير الإبداعي والتعلّم.
د. بثينة بيضون
تنمو هذه المهارة وتُكتَسَب في بيئات تعليمٍ تُتيح إثارة الدّافعية لدى المتعلمين لابتكار أفكارٍ جديدةٍ، وتُحفّزهم على اختراع حلولٍ لمشكلاتٍ واقعيّةٍ بدلًا من النّظر إليها بصمتٍ أو خوفٍ، ويتحقَّق ذلك من خلال مشاريع يُصمّمها المعلّم للطّلّاب؛ ففي القرن الحادي والعشرين لا يمكن الوقوف جانبًا، أو حتّى الثّبات؛ لأنّه يتطلّب دائمًا الاستمراريّة في ابتكار الأفكار، والخدمات، والمنتجات الّتي تُحسّن الاقتصاد المرتبط بعصر التّكنولوجيا الرّقميّة. لذلك ينبغي للطّلّاب أن يكتسبوا قدرة التّفكير الإبداعيّ الابتكاريٍّ من خلال استخدام أساليبَ وأفكارٍ مختلفة كالعصف الذهني، وابتكار أفكارٍ مهمّةٍ ومفيدة تدريجيًّا أو جزئيًّا، وتوسيع أفكارهم من خلال تطويرها، وتنفيذها، وتفسيرها للآخرين تفسيرًا عقلانيًّا فعّالًا. كما يجب عليهم الانفتاح على الآخرين، وتقبّل وجهات النّظر المختلفة، واستخدام التّغذية الرّاجعة في عملهم، وفهم الحدود الخاصّة بهم كي لا يصطدموا بالواقع الّذي قد يُخالف آراءهم وتوجّهاتهم، خصوصًا عندما يتبنّون أفكارًا جديدة، ويسعون إلى إثباتها، والاستفادة من الإخفاق، والنّظر إليه كفرصةٍ للتّعلّم، لأنّه عمليّة مستمرّة وطويلة الأمد. وهذا يعني أنّ التّعلّم تجربة أيضًا قد تفشل أو تنجح، لكنّ العبرة هي في الدّافعيّة الّتي يخلقها الفشل، وليس في الشّعور بالانهزاميّة.
تتنوّع أساليب التّفكير الإبداعيّ وتتعدّد، ويمكن اختيار ما يُناسب طبيعة المشكلة المراد حلّها، ومنها العصف الذّهنيّ الّذي ابتكره "أوسبورن"، والَّذي يجب، لنجاحه، وجود بعض الشّروط الأساسيّة؛ أوَّلها تجنّب الجميع نقد أيّ فكرة، بل تشجعيهم على تقديم أكبر عددٍ ممكنٍ من الأفكار، ثمّ العمل على تنميتها، فكلّ واحدةٍ منها تُولّد أخرى. والأهمّ هو أن تجتمع مجموعةٌ من الأفراد، فيطلب رئيس الجلسة أن يقدّم الجميع العدد الأكبر من الأفكار الغريبة واللّاواقعيّة من دون تقديم النّقد، ثمّ تدوّن الأفكار فكرةً فكرةً ليُختار الأنسب منها. والشّرط الثّاني هو اعتماد أسلوب المجموعات الشّكليّة أو الصّوريّة الَّذي أوجده (دلييك وفان دوفان). ويُشترَط فيه الابتعادُ من تناول العلاقات بين أفراد المجموعة للتّخفيف من حدّة سيطرة أفكار أحد الأفراد على أفكار الآخرين. أمّا أهمّ الخطوات المتّبعة فتكمن في أن يسجّل كلُّ فردٍ أفكاره على حدة على قصاصة ورق حول المشكلة المراد معالجتها، ثمّ يعرض أفكارَهُ المدوَّنةَ رئيسُ الجلسة، من غير أن تُناقش حتّى ينهي أفراد المجموعة كافّةً سرد أفكارهم، بعدها يدور النّقاش الخالي من النّقد ليقوم كلّ فرد سرًّا بتقويم الأفكار المعروضة، ومن ثمّ يستعرض رئيسُ الجلسة الأفكار الَّتي استحوذت على الاهتمام الأكبر ليُعاد التّصويت ثانية وصولًا إلى قرار نهائيّ. أمّا الشّرط الثّالث فيقوم على أسلوب "دلفي" الّذي أوجده (دالكي)، وفيه لا يكون الأعضاء من مكانٍ واحدٍ، إذ تُرسَل إلى عددٍ من الخبراء مجموعةُ أسئلةٍ، فيُبدون آراءهم في مشكلةٍ ما (كلٌّ على حدة)، ثمّ تُعاد الإجابات بعد ذلك ليُعادَ تصنيفها وترتيبها حسب توافق الآراء والأفكار، ثمّ تُعاد مرةّ أخرى إلى المشاركين، وتُكرَّر الخطوات السّابقة حتى يُتوصّلَ إلى اتّفاق الجميع على الحلول المطروحة.
وللتّشجيع على الإبداع والتّفكير الجماعيّ، هناك أساليب عديدة ومتنوّعة تتجسّد في إقامة حلقات الجودة، وتقوم على اجتماع مجموعة عمّال متطوّعين بهدف معالجة مشكلةٍ ما، فيوصون باتّخاذ الإجراءات المناسبة لحلّها؛ لأنَّ إدارة الجودة الكلّيّة تُعبرّ عن فلسفةٍ إداريّةٍ تهتمّ بتحسين المنتج باستمرار عبر فحص الإجراءات التّنظيميّة بغيةَ إرضاء المستهلك، وتحميل جميع الأفراد العاملين في المنظّمة الواحدة مسؤوليّةَ تحقيقه.