الاختلاف .. فرصة للتّميّز

الاختلاف .. فرصة للتّميّز

د.خلود عبد النّبي ياسين

 

برزت في السّنوات الأخيرة، ظاهرة جديدة بدأ المعلّمون بملاحظتها أكثر داخل صفوفهم، تتمثّل في بروز عدد من الأطفال الّذين لا يعانون من إعاقات ذهنيّة ولا شكليّة، لكنّهم يعانون من صعوبات من نوع خاصّ، وبعد التّوسّع في دراسة هذه الظّاهرة، وبالأخصّ مع بروز اختصاص ( التّربية المختصّة)، بدأت تتّضح الصّورة أكثر فأكثر..

  • فمن هم هؤلاء الأطفال؟

   إنّهم فئة جديدة من الأطفال الّذين لا يُعانون من إعاقات عقليّة، ولكنّهم يُعانون من صعوبات خاصّة في التعلّم، ومن اضطرابات في الذّاكرة السّمعيّة والبصريّة، أُطلِق عليهم  " ذوو صعوبات التعلّم "learning

 difficulties "  ((LD

  • فما هي صعوبات التّعلّم؟

   في الواقع، إنّ هذه الحالة لا تُحدّ بتعريف واحد، ومن أشهر تعريفاتها:" أنّها الحالة الّتي يُظهر صاحبها مشكلة أو أكثر في الجوانب التّالية: 
القدرة على استخدام اللّغة أو فهمها، أو القدرة على الإصغاء والتّفكير والكلام، أو القراءة، أو الكتابة ،أو العمليات الحسابيّة البسيطة، وقد تظهر هذه المظاهر مجتمعة ،أو منفردة. أو قد يكون لدى الطّفل مشكلة في اثنتين أو ثلاث مما ذُكِر..

  • وتمرّ رحلة الصّعوبات التّعلميّة في مراحل عديدة، أبرزها:

1-مرحلة التّشخيص: وتشمل جمع المعلومات، والمعطيات، والتّقارير، ووضع خطّة تعاون مع المحيط.

2.مرحلة التّدخّل: وفيها يتمّ وضع خطّة(  فرديّة للعلاج).

3.مرحلة العلاج: وفيها يتمّ تنفيذ الخطوات العلاجيّة ، مع الحفاظ على تزمين الخطوات.

  • والسّؤال المهمّ، متى تتمّ عمليّة التّدخّل؟

  من المتعارف عليه هو أنّ الطّفل يخضع لفحص صعوبات التّعلّم، إذا تجاوز الصفّ الثّاني الأساسي، واستمرّ وجود مشاكل دراسيّة لديه. ولكن هناك بعض المؤشّرات الّتي تمكّن اختصاصي النّطق، واللّغة ،أو اختصاصي صعوبات التّعلّم من توقّع وجود مشكلة مستقبليّة، ومن أبرز هذه المؤشّرات:

  1. الاضطراب في التّركيز والإصغاء
  2. الإفراط الحركي
  3. الاندفاعيّة والتّهوّر
  4. صعوبات لغويّة متنوّعة
  5. صعوبات في التّعبير اللّفظي الشّفوي: وجود مشاكل عند الطفل في اكتساب الأصوات الكلاميّة، أو إنقاص ، أو زيادة حروف أثناء الكلام
  6. صعوبات في الذّاكرة وفي فهم التّعليمات
  7. صعوبات في التآزر الحسّي – الحركي (Visual- Motor Coordination)
  8. صعوبات في التّحكّم بعضلاته الدّقيقة
  9. ضعف في التّوازن الحركي العام
  10. صعوبات تعلميّة خاصّة في القراءة، الكتابة، والحساب
  11. البطء الشّديد في إتمام المهمّات
  12. عدم ثبات السّلوك
  13. عدم المجازفة وتجنّب أداء المهام خوفًا من الفشل
  14. صعوبات في تكوين علاقات اجتماعيّة سليمة
  15. الانسحاب المفرط
  16. وجود صعوبات عند الطّفل في التّحكّم في القلم والإمساك به، واستخدام اليدين في أداء مهارات مثل: القصّ، والتّلوين، والرّسم.

  ملحوظة: غالبًا تكون القدرات العقلية للأطفال الّذين يعانون من صعوبات التّعلم طبيعيّة، أو أقرب إلى الطّبيعيّة، وممكن أن يكونوا  من الموهوبين.

  • أنواع صعوبات الّتعلّم:

1- صعوبات التّعلّم النّمائيّة  (Developmental Learning Disabilities)
2- صعوبات التّعلّم الأكاديميّة Academic Learning Disabilities))

      فصعوبات التّعلّم النّمائيّة: تتعلّق باضطراب أو خلل في العمليّاّت الأساسيّة اللاّزمة للتعلّم الأكاديمي .مثل الانتباه ، التذكّر، الإدراك، التّفكير، اللّغة، والعمليّات الإدراكيّة- الحركيّة.

        أمّا صعوبات التعلّم الأكاديميّة: فترتبط بتعلّم مهارات القراءة ،الحساب، الكتابة ،التّهجئة، والتّعبير الكتابي، وهي نتيجة ومحصّلة لصعوبات التعلّم النّمائيّة .

  • أهم ّأسباب الصّعوبات التّعلميّة:

يُمكن تحديد العوامل المُسبّبة لصعوبات التّعلّم فيما يأتي:

  1. أسباب عضويّة: تُسبّب الاضطرابات الكروموزوميّة ، والعصبيّة، والنّمائيّة، اضطرابات تُؤثّر على الجهاز العصبي المركزي، والمستقبلات الحسيّة، كإصابة الدّماغ المُكتسبة في مرحلة الحمل، ما قبل الولادة، أو أثناء عمليّة الولادة، وما بعد الولادة.
  2. أسباب وراثيّة أو جينيّة :تبيّن من خلال الدّراسات أنّ 25% ولغاية 40% من الأطفال اليافعين، يُعانون من صعوبات في التعلّم، انتقلت إليهم بفعل عامل وراثي.
  3. أسباب كيميائيّة حيويّة: كالقصور في التّوازن الكيميائي الحيوي في الجسم، فمن المُفترض أن يحتوي الجسم على نسب معيّنة من العناصر الكيميائيّة الحيويّة الّتي تحفظ توازن الجسم، وحيويّته ونشاطه، وأيّ زيادة أو نقصان في معدّل هذه العناصر تُؤثّر على خلايا الدّماغ.
  4. أسباب بيئيّة: فنقص التّغذية والحرمان البيئي لهما تأثير كبير في معاناة الطّفل من صعوبات التّعلّم. وهناك دراسات تُشير إلى أنّ الطّفل الّذي يُعاني من نقص في التّغذية، خاصّة في العام الأوّل، يتعرّض لقصور في النموّ الجسمي، وبالأخصّ في نموّ الجهاز العصبي المركزي.
  5. أسباب تعليميّة: تُمثّل مهارات اللّغة والتّواصل استجابات متعلّمة عند الفرد، لذا؛ فإنّ هذه الاستجابات المتعلّمة تُصبح مضطربة، عندما تكون أنماط التّفاعل بين الفرد والبيئة التّعليميّة الّتي يتعامل معها غير إيجابيّة.
  6. أسباب نفسيّة داخليّة: تُؤثّر حالة الفرد النّفسيّة الدّاخليّة في صعوبات التعلّم و الّتي قد يشعر بها عند تواصله مع الآخرين.

7-أسباب وظيفيّة: قد تكون الاضطرابات التعلميّة ناجمة عن إساءة استخدام جهاز الكلام، أو بسبب وجود تلف عضوي في تلك الأجهزة.

  • إرشادات إلى معلّم صعوبات التّعلم تفيده في التّعامل مع هذه الفئة:
  1. تقبّل الطّفل كما هو، ولا تنتظر منه المستحيل.
  2. لا تصدر أحكامًا في البداية ، وأتقِن فنّ الصّبر.
  3. اجعل التّلميذ يشعر باهتمامك به كإنسان له خصوصيّاته.
  4. أعطِه الحريّة في طرح الأسئلة، من دون الخوف من الضّحك عليه، أو الاستهزاء به.
  5. شجّعه على التّحدّث عن مشكلته، وساعده على إبراز نقاط قوّته.
  6. انتقل من المادي والمحسوس، إلى المجرّد والمعنوي قدر الإمكان، وتأكّد أنّ التلميذ قد تمكّن من فهم المطلوب، وتذكّر دائمًا ربط الخبرات الجديدة بالقديمة.
  7. تجنّب إعطاء التلميذ كلمات كثيرة ليتعلّمها من أنماط تهجئة مختلفة.
  8. ابتعد عن الكلمات القاسية مثل :غبي ،أو متخلّف، أو كسول ، أو التأفّف من استجابة التّلميذ الخاطئة، فهي كفيلة بجرح الأنا لديه.
  9. كن طيّبًا، ودودًا، مرحًا، عطوفًا، فهذه الصّفات من شأنها خلق الأمان للتلميذ ، وبالتالي إيصاله نحو الّنجاح.
  10. توقّف إذا أحسست بأنّ الجوّ الدّراسي بدأ يأخذ جانب الملل.
  11. لا تُهمِل التّغذية الراجعة قبل بداية الدّرس.
  12. تحّدث ببطء، ووضوح ، ولا مانع من إعادة الشرح.

ويبقى السّؤال الّذي يطرح نفسه، هل الصّعوبات التّعليميّة مرتبطة بالذّكاء؟

        بالطّبع لا، فكلّ طفل لديه ذكاءات مختلفة عن الآخر، وليست العلامات المدرسيّة مؤشّرّا أساسيّا لمعرفة الذّكاءات على أنواعها، والتّاريخ يشهد على ذلك.

وهذه الأمثلة من المشاهير والعلماء تثبت أنّ هذه الفئة ليسوا( أغبياء):

- أديسون: مخترع المصباح الكهربائي والميكرفون والفونوغراف.

- أينشتاين :صاحب النّظريّة النّسبيّة.

- دافنتشي: فنّان، ومهندس معماري، وعالم إيطالي.

-  غراهام بيل: مخترع الهاتف.

- ولت ويزني: مخترع ألعاب ديزني.

  • تجربة خاصّة:

     من خلال تجربتي في تعليم الأونلاين إبّان جائحة كورونا، لاحظت أمرًا مهمًّا يجب تسليط الضّوء عليه، من خلال تجربة نفّذتها مع طلّاب من ذوي الصّعوبات ، وقارنت مستواهم قبل الجائحة وخلالها، فتبيّن لي أنّ هؤلاء الطلّاب قد استفادوا بدرجة كبيرة من هذه الفرصة، لأنّهم بحاجة إلى التّكرار، والفيديوهات التّعليميّة المُرسلة لهم، كانوا يقومون بتكرارها، وهكذا يتكرّر الشّرح، وتتثبّت المعلومات، وقد قمت باختبارهم حضوريًّا في الدروس المنجزة عبر الأونلاين، وقارنت نتائجهم ( قبل الأونلاين وخلاله)، وقد نالوا علامات رائعة.

 

  • خلاصة القول:
  • لا يوجد إنسان ذكيّ وإنسان غبيّ، فلا يجب أن نحلّ مسألة رياضيّات معقّدة كي نكون من الأذكياء، كلّ منّا لديه ذكاءاته الخاصّة الّتي تميّز شخصيّته وتفرّدها، ولا تعدّ المدرسة ولا برامج التّقييم المعتمدة في لبنان برأيي قادرة على تحديد الذكاءات، وتنميتها، ومواكبتها حسب الفئات العمريّة، لأنّها لا تملك الأدوات الملائمة لقياس الذكاءات وملامستها بكلّ زواياها الخاصّة، فكم من مخترع قد تسرّب من المدرسة بتهمة ( الغباء) !!
  • العبرة أن نعرف ذواتنا ونقدّر ما نمتلك من ذكاءات ونعمل على تطويرها دائمًا، ففي داخل كلّ منّا مبدع عليه خلق الفرص لا انتظارها، على قاعدة: " من تساوى يوماه فهو مغبون"، وهكذا نحوّل الاختلاف إلى فرصة للتّميّز.