فاعلية التّدريس المسرحي في إغناء لغة الطّفل

أ. رانية قصير

 لغة الطّفل ليست مجموعة أصوات، أو أداة للفكر، أو تعبيرًا عن حالة شعورية معينة، بقدر ما هي جزء من كيان الإنسان الرّوحي، وعملية فيزيائية بسيكولوجية معقّدة، وتحتاج إلى تخطيط مدروس وبنّاء كي تصقّل قدرات الطّفل، وتُغني لغته بطريقة سليمة وراقية.

ويلحظ أنّ ارتفاع نسبة الذّكاء الّلفظي/ الّلغوي يُعدّ مفتاح النّجاح لتربية الأجيال السّليمة فكرّا وتواصلًا وتحفيزًا وتنميةً للقدرات الّلفظية الّتي يمكن أن تساعد الطّفل للتكلم بطلاقة، وأن يرتب أفكاره، وينمي شخصيته ويقوي ذاكرته. وكي تنمو لغة الطّفل بطريقة إيجابية لا بدّ من فاعلية أي قوة داخلية تبعث في النّفس القدرة على العمل الدؤوب والحركة المستمرة من أجل تحقيق أفضل النتائج على المستويات الأدبية والفكرية.

وتُعدّ فاعلية التّدريس المسرحي من النّشاطات اللّاصفية الّتي تمثّل عنصرًا مهمًا، وركنًا أساسيًا من العملية التّعليمية، فالمدرسة اليوم لم تعد ذلك المكان الذي يتلقى فيه المتعلمون المعلومات فحسب، بل أصبحت فضاء تتداخل فيه النّشاطات المتنوعة التي تجعل الأطفال يفكرون بما يعملون أيضًا، فيشاهدون نتائج أفعالهم، ويكتشفون قدراتهم ومواهبهم، استعدادًا للانخراط بفعالية في الحياة العامة، وكما يبدو أنّ المسرح يمكنه أن يضفي البهجة بين الأطفال، وينمّي شخصياتهم، ويُغني اللّغة لديهم، ولا سيما أنّ المناهج المدرسية لا يمكنها أن تشتمل على كلّ المعلومات والقدرات الّتي يحتاج إليها الطّفل عندما يخرج إلى الحياة العامة.

واللّغة لا تنفصل عن الفكر، ولها دورأساسي في بناء شخصية الإنسان، فردًا ومجتمعًا، وتنمّي روح التّفاهم والتّواصل بين الجميع. وترتقي اللّغة بإرتقاء الفكر، ومن ناحية تربوية: "الطّالب الذي يتدرّب على صحة التّعبير يتدرّب على صحة التّفكير، فالتّعبير والتّفكير جوهر واحد".

ويُعدّ المسرح من الأجناس الأدبية الأساسية الّتي تساهم في تحقيق الكثير من الأهداف الإنسانية والفنّية واللّغوية، عن طريق التّأثير في وجدان الطّفل، فالمسرحية فنّ من الفنون الأدبية، وصورة لغوية تتكّون من العناصر الآتية: "الحبكة، والشّخصيات، والحوار، والصّراع، والبناء الدّرامي، والمؤثّرات الصّوتية..."

والجدير بالذكر أنّ  اللّغة الشّعرية في المسرحيات  تساهم  بدورٍ مؤثرٍ ولافتٍ ولا سيما أنّ الأطفال يحبون لغة الشّعر، ويفضلونها على النّثر في المسرح، وخاصة الكلمات التي يوحي لفظها بمعناها بسبب قيمها الموسيقية والإيقاعية، أضف إلى ذلك أن الشّعر يمتلك قوة سحرية بسبب مجازاته واستعاراته وتشبيهاته، وغموضه الفنّي الشّفاف، كما أنّ الأنغام الّتي تنبعث من موسيقى التّراكيب الشّعرية تساهم في جذب الانتباه، لأنّها تمتاز بموازين قصيرة وخفيفة، وموحية تسهّل على الأطفال فهمها وحفظها وتذوقها خلال العرض، مما يشكّل ذلك تناغمًا إيقاعيًا جميلًا مؤثّرًا مع المؤثّرات السّمعية والبصرية الأخرى. أضف إلى ذلك أنّ التّكرار لبعض الكلمات والجمل في المسرحية يوفّر التّصحيح الدّائم والتّعزيز المستمر للغة والسّلوك والقيم، بالاضافة إلى خاصية المتعة التي تتولّد  لدى الأطفال خلال مشاهدتهم للمسرحية.

    يُلحظ أنّه يوجد للمسرحيات غايات عدّة منها:

  • غايات تربوية: يساهم هذا النّوع في تعزيز القيم والعادات والتّقاليد المغروسة لدى مجتمع ما، وهذا ما أكّده فوزي عيس في قوله إنّ المسرحيات التّربوية تساهم ببثّ قيم خُلُقية معينة في نفوس الأطفال، مثل وجوب اتباع الحق وقول الصّدق، والفصل بين العاطفة والواجب.

يُلحظ أنّ هذا النوع من المسرحيات يُعدّ أداة تربوية لإحداث تغييرات جذرية في المجتمع.

  • غايات تعليمية: يُكسب هذا النّوع من المسرح الأطفال رصيدًا لغويًا، ويُنمّي المخزون الفكري لديهم بمصطلحات جديدة وأفكار مستحدثة، وبحسب رأي المسرحي سالم أكونيدي إنّ المسرح التّعليمي يمكن توظيفه في عملية التّعبير، وتجعل المتعلّم يتعرّف إلى جسده كطاقة تعبيرية خلّاقة من خلال الحركة، وأداء الأدوار، والتّحكم في ملامحه، زيادة إلى توظيف واستعمال مستلزمات التّأثير المسرحي ومتطلباته، والإبداع في الكتابة الدّرامية... والإخراج والتّشخيص.

وخلاصة القول لا بدّ من إدراج المنهاج المسرحي في العملية التّعليمية نظرًا لفائدته الجليلية  التي تتمثّل بتطوير وتنمية ثقافة الطّفل وتوسيع مداركه، واستثارة خياله، لأنّه أقرب الأشكال الأدبية التي من الممكن أن يتقبّلها الطّفل ويتكيّف معها، لأنها  تصقّل شخصيته وترّسخ المبادىء القيّمة في المجتمع كحبّ الأم والوطن والامتثال للخير ومجابهة الشّر والوفاء والحبّ والتّضحية والأمانة والإخلاص... ناهيك عن دور المسرح في صقل مستوى ملكة التّذوق الفنّي لدى الطّفل لأنّها تجعله ينمو بإيقاع جمالي فنّي، وخاصة إذا احتوى المسرح الموجّه للطّفل على مكتسبات وقدرات تلائم ميوله وقدراته وتتفاعل معها، لِذا لا بدّ أن تتنوّع الطّرائق والأساليب التي تُقدّم بها المعلومة للطّفل في هذه المرحلة المهمة من حياته، لأنّها المرحلة الأساس لبناء شخصية الطّفل وتنمية ملكة الإبداع والابتكار لديه.

المراجع:

  • أكونيدي، سالم (2001). ديداكتيك المسرح المدرسي (ط 1). الاردن: دار الثقافة للنشر.
  • آل ثابت، سعيد بن محمد (23 تشرين الأول 2016). مفهوم الفاعلية. https://www.alukah.net، شبكة الألوكة الإلكتروني.
  • الموسى، أنور عبد الحميد ( 2010). أدب الأطفال... فنّ المستقبل (لا ط.). بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع.
  • علي، محمد حامد (1975). الإضاءة المسرحية (لا ط.). بغداد: مطبعة الشعب.
  • رياض، سعد (2010). البناء النفسي للطفل في البيت والمدرسة - تنمية القدرات والمهارات الّلغوية والّلفظية (ط 1). القاهرة: دار الصحوة للنشر والتوزيع.