تحدّيات التعلُّم عن بُعد في لبنان خلال جائحة كورونا

د. زينب حيدر

يشهد العالم تطورات تكنولوجية ومعلوماتية سريعة، أثرت على حياة الإنسان من كافة النواحي. وقد كان قطاع التربية والتعليم من أبرز القطاعات التي شهدت تحولات جذرية. وعندما نتحدّث عن تقدم الدول وازدهارها، فإن ذلك يكون من خلال الاستثمار البشري أي صناعة متعلّم قادر على مواجهة متطلبات العصر، والقدرة على مواجهة المشكلات الحياتية، أملاً في الوصول إلى مجتمع أفضل.

ومع ظهور جائحة كورونا، واضطرار جميع المؤسسات التعليمية إلى التحوّل نحو التعلم عن بُعد، فقد برزت عدّة تحدّيات ومنها قدرة المدارس والجامعات على مواكبة كل ما تتطلبه هذه العملية التعليمية، من تجهيزات تقنية، وأكاديمية وبشرية.

  • أشكال التعلم عن بعد

يأخذ التعلم عن بُعد أشكالاً متعددة وهي:

  • التعلم المتزامن:

التعلم المتزامن هو المصطلح المستخدم لوصف تقديم التعليم عن بُعد حيث يتفاعل الطلاب والمعلمون مع بعضهم البعض من مواقع مختلفة، ولكن في نفس الوقت. إنها ظاهرة حديثة نسبيًا من حيث التعلم الإلكتروني، والتي تسهلها التكنولوجيا مثل Skype و Google Hangouts و Microsoft Teams و Zoom. يُطلب من الطلاب المشاركة في أنشطة التعلم الإلزامي، والتي قد تتضمن محادثات جماعية وجلسات صفية افتراضية.

  • التعلُّم غير المتزامن:

عندما يحدث التعلم عن بُعد بعيدًا عن الجلسات المباشرة، يُشار إلى ذلك بالتعلم غير المتزامن. وهو ينطوي على درجة أكبر من التعلّم الذاتي، حيث يقوم الطلاب بتنفيذ المهام في أوقات مختلفة تمامًا عن بعضهم البعض. يمكن للمعلم إتاحة التسجيلات الصوتية وملفات الفيديو والمستندات للتنزيل من قِبل التلاميذ كي يستفيدوا منها في أي وقت (view sonic; 2020).

ونظراً لكون فترة التعليم عن بُعد في لبنان قد تخلّلها العديد من الصعوبات، سيحاول هذا المقال الإجابة على سؤال: ما هي التحدّيات التي واجهت عملية التعلم عن بُعد في مدارس لبنان خلال جائحة كورونا؟

في لبنان، ومن خلال مراجعة الأدبيات والدراسات التي تناولت مرحلة التعلم عن بُعد، نرى أنه قد برزت عدّة تحدّيات أمام القطاع التربوي في المدارس، ومنها العوامل المتعلقة بالتلاميذ، ومدى تقبّلهم لهذا النوع من التعلّم، ودرجة توفر كفايات تكنولوجية لدى المعلمين، إضافة إلى العوامل المتعلقة بالتجهيزات اللازمة في المنزل لنجاح العملية التعليمية

من أبرز الكفايات اللازمة للمعلم لتنمية أدائه في ظل التعليم الإلكتروني، والتي ينبغي على المؤسسات التعليمية تأمينها لأساتذتها عبر التدريب:

  • كفايات خاصة بتوظيف تقنية المعلومات في التعليم وتشمل استخدام البرامج والوسائط المتعدّدة في التدريس كإعداد شرائح البوربوينت وادراج الصور والفيديو.
  • كفايات خاصة لقيام المعلم بدور الباحث وتشمل: استخدام الإنترنت وبرامج التصفّح ومحرّكات البحث، إضافة إلى امتلاك روح التجريب والتجديد.
  • كفايات خاصة بإعداد المقررات إلكترونياً: وتشمل التخطيط للمقرر وتنويع أساليب التقويم الإلكترونية، وتحديد الأنشطة التي تحقق التفاعل الإلكتروني للطلاب.
  • كفايات خاصة بجانب ربط المدرسة بالمجتمع حتى في ظل التعليم الإلكتروني، كدمج مشكلات المجتمع بالمقررات الدراسية.

وقد تمثّل أحد التحدّيات الأساسية في لبنان عدم توفُّر كادر من الموظّفين المُدرَّبين لدعم تنفيذ التعليم عن بُعد. ففي حين يتطلّب الاستخدام الفعّال لتكنولوجيات التعلُّم عن بُعد أن يكون المدرّسون مُدرَّبين على استخدام التعليم عن بُعد كوسيلة لإيصال المعلومات، يُعتبر اليوم عدد الأساتذة المُلِمّين بالتعليم الإلكتروني قليلاً جدّاً.

  • التحدي الثاني هو تقبّل فكرة التعلُّم عن بُعد من قِبل التلاميذ. حيث ظهر في دراسة (El Nahas.N; Anouti.M; Rouadi.N, 2021)، والتي هدفت إلى تحديد مدى رضا الطلاب عن تعلُّم العلوم خلال فترة إغلاق المدارس بسبب انتشار فيروس كورونا (COVID-19)، من خلال الأجهزة المتاحة مثل أجهزة الحاسوب المكتبية والمحمولة، الأجهزة اللوحية، والهواتف الذكية، والمنصات الأساسية المتاحة، إضافة إلى الكشف عن رأيهم حول التعلم عن بُعد وقدراتهم على مناقشة محتوى دروس العلوم مع معلميهم عبر الإنترنت، وحول بيئة التعلم في المنزل، وقدراتهم على فهم العلوم عبر الإنترنت،أن نسبة مرتفعة من التلاميذ لم يناقشوا دروسهم العلمية بشكل ملائم مع معلميهم أثناء فترة الإغلاق. لذا فإن الاعتقاد بأن التدريس والتعلم يتم داخل الصف فقط هو يشكل عائقاً حقيقياً أمام عملية التعلم عن بُعد. كما تُظهر هذه الدراسة أنه بالنسبة للعديد من الطلاب في لبنان، يُعتبر التدريس عبر الإنترنت مزحة. كما أنهم لا يأخذون الأمر على محمل الجد لمجرد أنهم تعودوا على التعلم داخل الصفوف الدراسية.

كذلك يبرز دور الأهل في عملية التعلُّم عن بُعد والذي يُعتبر شرطاً أساسياً لنجاحها.  فقد تبين في هذه الدراسة أن معظم مديري المدارس كانوا غير راضين لأن أهالي التلاميذ لم يساعدوهم خلال تلك الأوقات الصعبة. هذا يرجع إلى حقيقة أن العديد من الأهالي ليسوا معتادين على هذا النوع الجديد من التعليم. لقد اعتادوا على التدريس والتعلم داخل الصف ويعتقدون أن أطفالهم يجب أن يتعلموا بنفس الطريقة.

ويمكننا القول أن هذا الاعتقاد لم يعد صحيحًا في عصرنا لأنه يمكن نقل التدريس والتعلم من بين جدران الصف إلى الخارج. لكي يحدث ذلك بشكل مناسب وصحيح، يجب على الآباء تأييد المعلمين ولعب دور حيوي في التأكد من أن أطفالهم يواصلون التعلم من خلال هواتفهم الذكية، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو أجهزة الحاسوب المحمولة، أو أي أداة تقنية أخرى متاحة. من هنا يجب تغيير هذه الثقافة التي تجعل المعلم والتلميذ والأهل يعتقدون بأن التعلم عن بُعد ليس ناجحاً فقط لعدم تواجدهم في نفس المكان.

  • أما التحدّي الثالث فيتمثل بضرورة وجود تفاعل بين الطلاب ومعلميهم وكيفية تأمينهم لمناخ تعليمي فعّال وجذاب لتلاميذهم. وقد أظهرت دراسة (El Rouadi, N. Anouti,M.; 2020) أن تنوع تقنيات الشرح، مثل استخدام مقاطع الفيديو التعليمية، هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى اعتبار التعلم عبر الإنترنت ناجحًا من قبل البعض. وقد أظهرت العديد من الدراسات أنه يمكن الحصول على نتائج أفضل عندما يتحكم الطلاب بشكل أكبر بخبراتهم التعليمية. وهذا يعني لجوء المعلم إلى استخدام طرق ناشطة خلال عملية التعلّم عن بُعد، مثل عمل المجموعات، أو طريقة المشاريع وغيرها.
  • وبالنسبة للتحدي الرابع فهو يتمثل بمدى توفر التقنيات والتجهيزات لدى المعلمين والتلاميذ كأجهزة الحواسيب والأجهزة الذكية. حيث يؤدي الاتصال الضعيف أو المتقلّب بشبكة الانترنت إلى عوائق متعددة، كون استخدام تطبيقات التواصل بالفيديو تحتاج إلى اتصال مستقر بالشبكة في منازل المعلمين والطلاب على حدّ سواء. وقد تحدثت الصحفية تالا رمضان في مقالها حول دراسة استقصائيةأجرتها “مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين” (UNHCR) في نيسان/أبريل 2020 شملت 10 آلاف عائلة محتاجة في لبنان، أنَّ نصف هذه العائلات فقط يملك تلفازاً في المنزل، في وقتٍ لا تملك فيه أيّ عائلة تقريباً أجهزة لوحية أو حواسيب بل تملك هاتفاً ذكياً واحداً فقط في المنزل. كما أظهرَت دراسةٌ أجرتها “الجامعة اللبنانية الأميركية” (LAU)، و“مركز الدراسات اللبنانية” (Centre for Lebanese Studies)، و“شبكة المشاركة المحلّية لأبحاث اللجوء” (LERRN)، أنَّ الجزء الأكبر من التعليم يحصل في الواقع عبر تطبيق “واتساب” (Whatsapp)، ولكنَّ التوجيهات المتعلّقة بكيفية التعليم الفعّال عبر هذا التطبيق بقيَت محدودة. وكشفَت الدراسة أيضاً أنَّ المدرّسين يعملون لساعات أطول في التعليم عن بُعد وينفقون من مالهم الخاصّ على تكاليف الإنترنت من أجل التواصل مع طلّابهم، وذلك من دون حصولهم على أيّ تعويض.

خاتمة

إن التدريس عبر الإنترنت كان بمثابة صدمة مفاجئة للعديد من المعلمين الذين لم يكونوا مستعدين لها والذين اعتادوا على التدريس في الصفوف منذ بداية ممارستهم لمهنة التعليم. على الرغم من ذلك، حاول العديد من المعلمين التدريس عبر الإنترنت بأفضل طريقة ممكنة.. من المؤكد أنه لا يمكن الاعتماد على طرق التدريس التقليدية خلال أزمات القرن الحادي والعشرين، مثل أزمة جائحة كورونا. على الرغم من ذلك، لا بد من استخدام الأدوات التي يوفرها عصر التكنولوجيا هذا بطريقة تمكن المعلمين من تدريس طلابهم خارج الصفوف الدراسية. لذا فإنه لا مفر من التدريب على التدريس عن بُعد والاعتماد على الهواتف الذكية والمنصات ومقاطع الفيديو التعليمية وعروض PowerPoint التقديمية ومنصات Microsoft و Google classroom و Zoom وغيرها الكثير لضمان استمرار التدريس والتعلم أثناء الاوقات الصعبة.

وقد أظهرت تجربة التعليم عن بُعد ضرورة التعاون بين الجهات الأساسية في هذه العملية التعليمية، وهم التلاميذ، الأهل والمعلمين وإدارات المدارس في تأمين جودة التعلم عن بُعد. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت جميع الجسم التعليمي، إذ أن جائحة كورونا قد أظهرت أهمية وإيجابيات التعلم عن بُعد. وهذا ما قد يسهم في المستقبل في وضع خطط لتطوير قدرات المعلم الذاتية والتلميذ في مجال التعليم الإلكتروني.

References

El Nahas, N., Anouti, M., Rouadi, N. 2021)), Advantages and Difficulties of Learning Science Online   during the COVID-19 Pandemic Lockdown in Lebanon, a Quantitative Study, international journal of advanced research in engineering and technology, 8(10), 18332-18348

El Rouadi; N., Anouti, M.; (2020). The Online learning Experiment in the Intermediate and Secondary Schools in Lebanon during the Coronavirus(COVID-19) Crisis; international journal of advanced research in engineering and technology, 7(7),14466-14485

View sonic (2020); Understanding the Distance Education Types, retrieved from: https://www.viewsonic.com/library/education/understanding-the-distance-education-types-2/