كيف نختار المهنة قبل الاختصاص؟
كيف نختار المهنة قبل الاختصاص؟
د. بثينة بيضون
يؤدّي التّوجيه المهنيّ دوره في التّركيز على المهنة قبل الاختصاص، ولا سيَّما حين يقرّر الطّالب نوع العمل الّذي يريده مستقبلًا. فحينئذٍ يُمكن الطّالب اختيار الاختصاص الَّذي يُلائم سوق العمل اختيارًا لا بدَّ له من أن يتناسب مع قدراته، وكفاءته، وشخصيّته، وحاجة المجتمع إلى متطلباته. وفي هذا السّياق، نجد قائمة أسئلةٍ (تسمّى الاختبار) قد تُمكّن الطّالبَ، بعد الإجابة عنها، من أن يختار الاختصاص الّذي يُوائم شخصيّته، ويستطيع من خلالها أن يحدّد هو نفسه المجالات الّتي يتوقَّع أن يبدع فيها ويبرع، إن كانت تناسب حاجة سوق العمل. وهنا يُطرَح السّؤال: من يتولّى التّوجيه المهنيّ؟
في الإجابة، نقول: ثمَّة أطرافٌ كثيرون يُعنَون بالتّوجيه المهنيّ بدءًا من الأهل إلى المدرسة، امتدادًا إلى كلّ مَنْ يُؤدّون دورهم في العمليَّة التَّربويَّة، إلّا أنَّ توجيه الأهل يبقى أساسيًّا شريطة ألّا يكون قهريًّا من خلال إلزام الابن (المتعلّم) اختيارَ اختصاصٍ يرونه هم مناسبًا من دونه، فضلًا عن دورهم في مرافقته إلى المنتديات التّوجيهية، على أن يتركوا له حرّيّة الإجابة عن الأسئلة المطروحة لاختيار الاختصاص المناسب لقدراته. ولكن لا يخلو الأمر من تقديم الأهل النّصيحةَ بناءً على تجاربهم آخذين في الحسبان قدرات أبنائهم، ومن الممكن أيضًا مساعدتهم في اختيار الاختصاص الّذي قد يخوّلهم نفع المجتمع بأقصى ما لديهم.
للمدرسة أيضًا دورها في التَّوجيه والإرشاد، ومهمَّتها لا تقتصر على تزويد الطَّالب بالعلوم والمعارف فحسب، بل تشمل أيضًا إعداده اجتماعيًّا وثقافيًّا، إضافةً إلى صقل مواهب المتعلّمين وتنمية مهاراتهم منذ المراحل الدّراسيَّة الأولى، وهو ما يُساعدهم مستقبلًا في اختيار الاختصاص الملائم. أمّا في المرحلة الثّانويَّة، فيجب أن تُسهم المدرسة في توجيه الطّالب نحو الاختصاص الَّذي يلائم قدراته وفق مؤهّلاته ورغبته الشَّخصيَّة.
ونلحظ أنّ اختيار الاختصاصات ذات السّنوات الدّراسيّة الأقصر والأسهل يأخذ حيزَّا كبيرًا في المحاضرات التّوجيهية ومعارض التّوظيف الَّتي تستهدف الطّلّاب كي يدخلوا سريعًا إلى سوق العمل. كما نلحظ التَّركيز على الاختصاصات الّتي تُفضي إلى مهنٍ ذات رواتبَ مرتفعة بحسب ما تبيّنه أسئلتهم في المحاضرات التّوجيهيّة. ولا يُمكننا أن ننفي أنَّ الرّاتب يعتمد على الأداء عند اختيار المهنة، خاصَّة غبر نوع التّدريبات الَّتي يخضع لها الشَّخص خلال مدَّة الدّراسة وبعدها للانتقال إلى طلب الوظيفة، ولا يجب رفع سقف التَّوقُّعات من لدن الباحثين عن عملٍ أو اختصاصٍ، لأنَّه قد ينقلب ضررًا عليهم في التَّوظيف لاحقًا. لذلك ينبغي لأبناء المؤسّسات من جامعات، وشركات، وغيرهم من أفراد المجتمع المحيط بالطّالب، تقديم الدّراسات الّتي تُظهر حاجاتِ سوق العمل، وإظهار العوامل المتعلّقة بهذا الاختيار، لمساعدة الطّالب على حسن التّخطيط وحسن الاختيار.