حتى الطوابع لم تسلم من السوق السوداء..
منذ دخول الموازنة العامة للعام 2022 حيّز التنفيذ شرعت المؤسسات العامة والمديريات باعتماد الأسعار الجديدة للمعاملات الرسمية، ومنها بيان السجلّ العدلي. فقد أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن «استيفاء مبلغ 40 ألف ليرة لبنانية مباشرة وضمن مراكز السجلّ العدلي المنتشرة في المناطق اللبنانية، عن كل نسخة بيان سجلّ عدلي، بالإضافة إلى الطابع المالي المحدّد بقانون الطوابع بـ 10000 ليرة وذلك اعتباراً من 15 تشرين الثاني الماضي». هذا يعني أنّ التكلفة الرسمية لأيّ بيان سجلّ عدلي باتت تبلغ 50 ألف ليرة بحسب ما حدّدتها الدولة اللبنانية، وذلك بعدما كانت كلفة البيان في السابق لا تتعدّى 5 آلاف ليرة لبنانية.
ومع اعتماد التسعيرة الجديدة لبيانات السجلّ العدلي ظنّ المواطنون أنّ الطوابع ستتأمّن وأزمتها ستنتهي في كافة المناطق اللبنانية، لكنّ هذا الأمر لم يحصل، أقلّه في مراكز السجلّ العدلي ودوائر النفوس في الشمال (طرابلس وعكار). فإضافة إلى استيفاء رسم 40 ألف ليرة عن كلّ بيان سجلّ عدلي يعاني المواطنون من فقدان الطوابع التي تحوّلت سوق سوداء بالكامل. قبل الأزمة كان المواطنون الذين يقصدون مخفر التل – طرابلس لإنجاز سجلّ عدلي، يؤمّنون الطوابع اللازمة من المكتبات ومحلات بيع الطوابع المعتمدة والمنتشرة في منطقة التلّ. لم يعد الأمر بهذه السهولة، فكلّ المحلات التي كانت تبيع الطوابع في التلّ لم تعد قادرة على تلبية حاجات المواطنين للطوابع، فقد فُقدت من بين أيدي المعتمدين وانتشرت بين أيدي بعض الأشخاص من بائعيها في السوق السوداء، وكلٌ من هؤلاء يسعّر طابع الألف أو الألفي ليرة على هواه.
يشرح مؤمن مرعي لـ»نداء الوطن» أنّه قصد أمس مخفر التلّ حيث تُعطى بيانات السجلّ العدلي، ولم يكن يعرف بالرسوم الجديدة المفروضة. سأل موظفاً عن عدد الطوابع التي يحتاجها فأجابه «تحتاج إلى طابع أو طوابع بقيمة 10 آلاف ليرة ومبلغ 40 ألفاً رسم بيان». فسأل موظّفي المركز: هل لديكم طوابع هنا؟ جاءه الجواب: (لأ، شوف تحت المكاتب قدّام المركز).. وبحسب مؤمن «قصدت كلّ المكاتب التي تبيع الطوابع بالعادة ولم أجد، حتى دلّني أحدهم إلى شخص كان واقفاً قرب المركز وكان معه طوابع». ويتابع مؤمن «وأنا أقف قرب مدخل المخفر إذا بشخص يسألني اذا كنت أريد طوابع للسجلّ العدلي فأجبته يا ريت .. أخذني إلى زاوية قريبة وأعطاني 5 طوابع من فئة الألفي ليرة وتقاضى مني 50 ألف ليرة… عندما توجّهت إلى المركز لأستلم السجلّ العدلي بعد تأمين الطوابع سألني أحد أصدقائي بكم اشتريتها؟ فأجبته بـ50 ألفاً من شخص كان يرتدي ثياباً سوداً، فإذا به يقول مندهشاً: لقد باعني أحد الأشخاص وكان يقف قرب مبنى بلدية طرابلس الخمس طوابع من فئة الألفي ليرة بمئة ألف».
وأشار مؤمن إلى أنّه ولدى نزوله من مركز السجلّ العدلي في طرابلس بعدما حصل على السجلّ العدلي، سأله عنصر الأمن الموجود على المدخل والذي كان شاهداً على معاناته لساعة من الوقت وهو يبحث عن طوابع، صِف لي الشخص الذي باعك الطوابع… فهؤلاء أحياناً يكونون بالقرب منا ولا نعرفهم وما يقومون به أمر ممنوع».
ومع الإشارة إلى تلقّي «نداء الوطن» العديد من الشكاوى من مواطنين شماليين عمّا يجري من بيع للطوابع بأسعار مرتفعة في السوق السوداء وعن عدم تحرّك الأجهزة الأمنية لمنع هذه الظاهرة، ثمّة معلومات تشير إلى وجود أشخاص يقومون بتسهيل معاملة السجلّ العدلي من دون حضور صاحب الطلب الذي يرسل فقط صورة الهوية عبر الـ»واتساب» للشخص المُسهّل مقابل مبلغ 150 – 200 ألف ليرة عن كل بيان. وغالباً ما يلجأ إلى هذه الطريقة الأشخاص غير القادرين على الحضور إلى مراكز السجلّ العدلي ضمن أوقات الدوام الرسمي.
ما يجري في مسألة تأمين الطوابع للسجلّ العدلي في الشمال ينسحب أيضاً على معاملات إخراجات القيد (العائلي والإفرادي) ومختلف المعاملات الرسمية التي تحتاج إلى طوابع، وفي وقت تختفي فيه الطوابع من أيدي المخاتير والمعنيين ببيعها، ثمّة شكوك تحوم حول بعض المعتمَدين لبيع الطوابع من أنهّم خلف ما يحصل من سوق سوداء لبيع الطوابع وجني الكثير من الأرباح على حساب حاجة الناس إليها.