المواءمة بين الهيكل الوظيفي والهيكل التعليمي

د. عبدلله الموسوي

إنّ الدّور الأبرز الذي تلعبه التّربية في ميادين الحياة هو في تهيئة الأجيال النّاشئة للحياة الاجتماعية والمهنية، وإعدادهم ليكونوا قادرين على مزاولة الأعمال والمهن والوظائف المتعدّدة وفق حاجات مجتمعهم. لذلك فإنّ ما يطلب من القطاع التّعليمي من استجابة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل. وهذا يعني إنّ القطاع التّعليمي لا يمكن له العمل بمفرده، وبمعزل عن القطاعات الإنتاجية في المجتمع، حيث إنّ هناك ضرورة للرّبط بين الهيكل التّعليمي والهيكل الوظيفي، فيجد عندها الخريجين من مراحل التّعليم المختلفة الوظائف التي تتناسب مع مؤهلاتهم العملية.

 

 

ويشمل الهيكل التعليمي مراحل التعليم بمستوياتها ابتدءً من مرحلة التعليم الإبتدائية وصولأ إلى المراحل العليا الأكاديمية، اما الهيكل الوظيفي فيتضمن القوى العاملة بحيث توزع على مجموعة من الفئات الوظيفية والمهنية وفق مستويات مهاراتها ومعارفها. وهكذا يقابل الهيكل التعليمي الهيكل الوظيفي إنطلاقا من تكافؤ كل مرحلة تعليمية مع ما يوافقها من مستوى وظيفي معين. كما يظهر الجدول التالي:

 جدول تصميم كلّ من الهيكل الوظيفي والهيكل التّعليمي، حيث توزّع المهن والوظائف، ويقدر ما يقابلها من مستويات تعليمية.

المهن/الوظائف

دراسات عليا

دبلوم فني

مرحلة التّعليم الثانوي العام

مرحلة التّعليم المتوسطة

مرحلة التّعليم الابتدائية

مديرون

         

إخصائيون

         

خبراء

         

فنيون تطبيقيون

         

فئات متوسطة ومساعدة

         

عمال وأجراء ماهرة وغير ماهرة

         

وتكمن أهمية هذه الخطوة في تقدير الاحتياجات التّعليمية للقوى العاملة، بحيث يتمّ تقدير حجم القوى العاملة المطلوبة بحسب المهن والمستويات التّنظيمية أو الوظيفية، ثم يتمّ ترجمتها إلى ما يقابلها من حاجات تربوية يتمّ إعدادها من قبل النّظام التعليمي خلال الفترة المحدّدة للخطة للوفاء بالاحتياجات من القوى العاملة. لذلك على الدّولة صياغة خطة تربوية تأخذ بالاعتبار حاجات سوق العمل، بهدف التّوزان بين الجانبين الوظيفي والتّعليمي، إنطلاقًا من تقدير حجم القوى العملة الحالية، والتّنبؤ بحجم القوى العاملة المستقبلية بحسب المستويات التّعليمية. على أن يكون في الحسبان إنّ أعدادًا من المتعلمين ستنسحب من القطاع التّعليمي خلال مراحل تعليمية معينة باتجاه سوق العمل.

وفي المحصّلة يجب أن يتجه اهتمام الدّولة نحو تطوير القطاع التّعليمي، وحثّ النّاس على التّعلم، واكتساب المزيد من المعرفة والمهارة. إلّا إنّه قد لا يرغب البعض باستكمال مساره الدّراسي، ويفضل الالتحاق بعمل معين. واستباقًا لمثل تلك الحالات فإنّه يجب أن تتوفّر في المجتمع مجموعة من المهن والوظائف المناسبة لكلّ مستوى من المستويات التّعليمية يمكن للفرد العمل فيها. مع الأخذ بالاعتبار إنّ على الدّولة سنّ قوانين تتضمن حدودًا دنيا لترك المدرسة لا تقلّ عن إنهاء مرحلة التّعليم الأساسي.

لذلك تأتي أهمية كل مرحلة من مراحل التّعليم من خلال إعدادها للإنسان من اجل المشاركة في الحياة من جوانبها المتعدّدة، فالتّلميذ في كل مرحلة عمرية تتيح له العطاء بما يتناسب مع المرحلة التعليمية التي أنجزها، ما يساعده على الاشتراك في مجالات الحياة المختلفة.هكذا فإن التعليم يجب ان يجسد الصالح في الإنسان ويخلق لديه النضج والوعي المناسبين لحياة كريمة، الأمر الذي يتطلّب أن يكون تكوينه، وإعداده في المؤسسات التّربوية وفقًا لأسس سليمة في تكوين المواطن. ولا يدلّ هذا التّوجه على أنّ التّعليم ينمّي مهارات العمل فحسب، ويأخذ بيد التّلميذ إلى سوق العمل متسلحًا بما يحتاجه من معلومات تتناسب، والمهن التي سوف يشغلها، بل إنّ المشاركة في الحياة أوسع من ذلك بكثير، وهذا المراد من التربية على نحو يؤدي إلى الاهتمام بمظاهر تنمية الموارد البشرية، وتوسيع خياراتها في الحياة، ليس على أساس التّكيف مع حاجات سوق العمل فقط، إنّما يتجاوز ذلك ليكون العنصر البشري خلاقًا ومبدعًا وعاملًا يؤثّر بقوة في النّمو الاقتصادي.

المراجع:

زيدان، محمد مصطفى. (2008). عوامل الكفاية الانتاجية في التربية. بيروت: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر.

الشعراني، ربى ناصر المصري. (2016). معالم في الاقتصاد التربوي:دراسة منهجية في اقتصاديات التعليم. طرابلس، لبنان: المؤسسة الحديثة للكتاب.

عبد الدائم، عبدالله. (1999). التخطيط التربوي (ط.9). بيروت: دار العلم للملايين