أهمية المختبر المدرسيّ في نواتج العمليّة التعليميّة .

د. زينب حيدر

يلعب التعليم دوراً رئيسياً في إعداد رأس المال البشري، إذ يسلح الأفراد بالقدرات والمعارف والمهارات والقيم والإتجاهات التي تمكنهم من مواجهة متطلبات العصر، ويفسح المجال للكشف عن قدراتهم المُبدعة ويُحسّن مستوى إنتاجيتهم. ومن أبرز المواد التي يتعلمها التلميذ في جميع المراحل هي مادة العلوم.

والعلوم هي بناء إنساني تكوّن بسبب نشاط الإنسان وفضوله. لذا فإن حقيقة العلوم تتألف من المعرفة، والمهارات والمواقف والتي تساعد الإنسان على تكوين مواقف واتجاهات إيجابية (الهويدي، 2008). إن أحد الأهداف الرئيسية لتعليم العلوم في العصر الحديث هو نشر الثقافة العلمية ومحو الأمية العلمية. الثقافة العلمية تعني جعل الأفراد واثقين من أنفسهم وقادرين على مواكبة العالم الذي يعيشون فيه، وفهم الحقائق والأحداث التي يواجههونها، بدل جعلهم خبراء في العلوم والتكنولوجيا فقط. بطريقة أخرى إن العلوم يجب أن تهدف إلى الإجابة على أسئلة: كيف نعرف؟، وما هو الدليل على ذلك؟ (Gultepe, 2016).

يُعدُّ تكوين المفاهيم العلمية وتنميتها لدى التلاميذ من الأهداف الرئيسة في تدريس العلوم، لكون تلك المفاهيم من أساسيات تكوين المعرفة العلمية، وتتطلب أساليب تدريس خاصة بكل مفهوم، بحيث يتضمن هذا الأسلوب سلامة تكوين المفهوم والإحتفاظ به. إن تعلم المفاهيم العلميّة أول مرة قد تعترضه صعوبات عدّة ومنها: طبيعة المفهوم العلمي، كأن يكون من المفاهيم المجرّدة، أو النقص في الخلفية العلمية للتلميذ. وتتعدّد مصادر هذه الصعوبات فقد يكون سببها المنهج أو المعلم أو طريقة التدريس، أو قد تكون داخلية من التلميذ كاستعداده ودافعيته ونمط تعلّمه. ولتجنّب الوقوع في الأخطاء المفاهيمية على المعلم أن يستخدم أساليب تدريس متنوعة للمفهوم نفسه، ويؤكد على الخبرات الحسّية للتلميذ، ليكون دوره فاعلاً في عملية التعلم، وفي مجال تعليم العلوم ومنها الكيمياء يجب الربط بين التدريس النظري والعمل المخبري بحيث يتمكن التلميذ من استخدام التجارب للوصول إلى المفاهيم العلمية بنجاح (البشايرة والعبيدين، 2014).

      يُعتبر المختبر جزءًا لا يتجزّأ في تدريس العلوم. فهو يساعد في إكساب التلميذ مهارات يدويّة تتعلّق بكيفية استخدام الأدوات والأجهزة والتحكّم بها. بالإضافة إلى المهارات الإجتماعيّة المتمثّلة بالعمل المخبري الجماعي وتفاعل التلاميذ مع بعضهم. إذ أشارت دراسة ليونارد (Leonard, 1983 إلى دور المختبر وأهميته في نواتج تعلّم التلاميذ المتمثّلة في تنمية الميول والإتجاهات العلمية، وحب الإستطلاع العلمي، وتنمية التفكير وتطوير القدرات العقلية).

    "تبرز أهمية العمل المخبري في القدرة على تشغيل اليدين Hands-on وتشغيل العقل Minds-on. إن العديد من الدراسات تُثبت أن واقع الأنشطة المخبرية ونوعيّتها يؤثر في مستوى التلاميذ. فقد أظهرت دراسة تجريبية (Harty & Al-Faleh, 1984) لتحديد فعالية طريقتين من طرائق تدريس العلوم في مادة الكيمياء على التحصيل والإتجاهات العلمية لدى تلاميذ المرحلة الثانوية في السعودية، أن التلاميذ الذين درسوا باستخدام العمل المخبري على صورة مجموعات صغيرة كان أداؤهم التحصيلي أعلى بفروق ذي دلالة من زملائهم الذين درسوا المختبر بطريقة المحاضرة- العرض المخبري من قبل المعلّم (Harty & Al Faleh, 1984).

    إن أنشطة المختبر واستخداماته التي تعكس المختبرات التّوضيحيّة Illustative والتي تستخدم التحقّق من المعرفة التي يعرفها التلاميذ فقط هي تتبع طبيعة كتاب الطبخ Cookbook. أي أن التلميذ يطبق التجربة بطريقة لا تسمح له بالتحليل والإستكشاف. هذا النوع من التجارب يعطي الصورة والانطباع أن العلماء يتبعون إجراءات نمطية في استقصاءاتهم وبحوثهم. ولعلّ هذه النظرة يتم تعزيزها وتغذيتها من خلال بعض المعلمين الذين لا يشجعون التلاميذ على التحقق من المعلومات العلمية. إذ أن العمل المخبري يجب أن يقدم ثلاث وظائف أساسيّة:

- تعليم مهارات إجراء التجارب.

- تعليم معالجة البيانات، وتحليلها، ومهارات تفسيرها.

- تعليم تقنيّات وعمليات الاستقصاء العلمي" (زيتون، 2007).

مما سبق يتضح لنا أنه من إحدى أسباب تدنّي مهارات العمل المخبري لدى التلاميذ، طرق التعليم التي تقتصر فقط على تطبيق تجارب موجودة مع نتيجة معروفة مسبقاً، دون محاولة البحث عن تجارب تحتاج لحلول غير معروفة. وهذا ما لا ينمّي لدى التلاميذ مهارات عليا، بل يجعلهم يتلقون المعلومات ويطبّقونها دون محاولة تفسير نتائجها أو تطبيقها في مجالات جديدة.

لذا فإن السؤال هو: ما هي أنواع العمل المخبري في تعليم العلوم؟ وكيف يمكن للمعلم أن يجعل النشاط المخبري هادفاً لتنمية مهارات التفكير العليا لدى تلاميذه؟

يمكن تقسيم المختبر إلى نوعين أو أسلوبين من حيث الأداء والتّنفيذ: المختبر التوضيحي والمختبر الإستقصائي الإستكشافي.

  • المختبر التوضيحي Illustrative lab: ويهدف إلى التحقّق من معلومات علميّة سبق أن تعلّمها التلميذ بحيث يتمّ تزويده بخطوات إجراء التجربة والمواد والأدوات.
  • المختبر الإستقصائي الإستكشافي Investigate-Discovery lab: ويهدف إلى وصول المتعلم إلى تقصّي المعرفة العلمية واكتشافها بمساعدة محدودة وتوجيه المعلّم. وفي هذا الأسلوب يزوّد التلاميذ بالحد الأدنى من المعلومات عن النشاط، ثم يقومون بالبحث عن طريقة للقيام بالنشاط المخبري (زيتون، 2004).

والإستقصاء هو شكل من أشكال التعلّم الموجّه ذاتياً وجوهره الفضول أو حبّ الإستطلاع (زيتون، 2007). وهو عمليّة يتمّ فيها فحْص أي معتقد أو شكل من المعرفة في محاولة لإثبات نظريات أو نتائج. من خطوات التعلم الإستقصائي: الشّك أو التساؤل، تحديد الهدف من التعلّم سواء على شكل سؤال أو مشكلة يفتش لها عن حلّ. بعدها اقتراح حلّ مبدئي، ثم اختبار صحة الحلول المقترحة بحيث يقوم التلاميذ بتجميع وتصنيف المعلومات، ثم استخلاص النتائج وتعميمها (أبو ذياب وعبد الخالق، 2007).

     وبشكل عام يصنّف الإستقصاء إلى ثلاثة مستويات وهي:

- الإستقصاء المبني (المنمَّط) : structured inquiry يكون للمعلّم الدور الأكبر بحيث يقوم بتقديم الأسئلة والمواقف والإجراءات. وعلى التلميذ أن يتبع التعليمات بدقّة.

- الإستقصاء الموجّه Guided inquiry  : يكون تدخل المعلّم جزئياً، إذ أنّه هو الذي يطرح السؤال أو المشكلة، وعلى التلميذ أن يطوّر الإجراءات والتصميم لتقصّي المشكلة التي طرحها المعلّم.

- الإستقصاء الحرّ (المفتوح) open inquiry : ويكون دور المعلّم في حدّه الأدنى، وعلى التلميذ أن يطرح الأسئلة، ويحدد المشكلة حول الموضوع الذي اختاره المعلّم، وبالتالي يقوم بإجراء التصميم والإجراءات المناسبة (زيتون، 2007).

       لذا علينا نحن المعلمون الدور الأساسي في تعزيز ثقافة الإستقصاء الموجه والمفتوح في التعليم بشكل عام وفي الأعمال التطبيقية خاصة، وذلك بالإبتعاد عن التلقين، بحيث يتعلم التلميذ من خلال التجربة والملاحظة والتحليل. ويقوم بالتفكير والإكتشاف الشّخصي واستعمال الحواس. ويحصل اكتساب المعرفة بنشاط خاص من قبل المتعلم عبر عمل فردي أو جماعي.

ونظراً لدور المعلم الفعال في تحديد نواتج التعلّم، حدّد ميريو (Merieu, 2005) مواصفات المعلم على الشكل التالي:

  • صفة المعلّم المُبدع creatif بمعنى أنّه لا يكتفي باتباع الإرشادات، بل يسعى إلى تصوّر منهجيّة تربويّة جديدة، وذلك بعد تحديد الأهداف التعليميّة، وتوصيف المشاكل التي تعترض تحقيقها، وتحديد الموارد والوسائل اللازمة لها، فينصرف إلى وضع الخطوات العمليّة للتنفيذ.
  • صفة المعلّم التفاعلي Interactif الذي ينظّم الثقافة المدرسيّة على اساس التكامل بين المواد، وبالتالي يجعل الأمور تدور حول الأسئلة التربويّة التي يطرحها التلاميذ والتفاعل معها، ومن خلالها، إيجاد الحلول للمسائل، أو للمهمّات المطروحة، واستعمال الموارد والوسائل المتنوّعة في طريقة بناء المشاريع.
  • صفة المعلّم صاحب ردّات الفعل reactif بحيث يتجاوب مع كلّ جديد، ممّا يسمح له بالتقدّم، ساعياً إلى معلومات جديدة، لتحديد المعوّقات. وبدل أن يعود أدراجه إلى العمل التقليدي، ينخرط في البحث عن موارد نوعيّة جديدة (الروادي، 2007).

خاتمة:

     انطلاقاً ممّا سبق، فإن معلّم العلوم يلعب دوراً أساسياً في طريقة نقل المعرفة للتلميذ، وخاصة في مجال العمل المخبري. إن اعتماد المعلم على طريقة معينة في المختبر تعود لعدة عوامل ومنها مدى تلقيه للإعداد التربوي خلال فترة دراسته في الجامعة، والذي يؤثر في طريقة التعليم التي يتبعها، إضافة إلى المنهج الذي يجب عليه اتباعه والوقت المخصص لتعليم المادة، ممّا قد يجبره على اتباع طرق تعليمية محدّدة في التعليم المخبري. ولكن هذه المسؤولية تقع أيضاً على جميع الجهات التربوية والتي يجب أن تتضافر كي يكون المستوى التعليمي ملائماً لما يتطلبه تعليم العلوم في القرن الحادي والعشرين.

المصادر والمراجع:

عبد الخالق، رشراش وأبو ذياب، أمل. (2007). طرائق النشاط في التعليم والتقويم التربوي. بيروت: دار النهضة العربية.

البشايرة، زيد علي والعبيدين، مها زياد. (2014). أثر طريقتي تدريس العمل المخبري في تحصيل المفاهيم العلمية لطالبات المرحلة الثانوية في مادة الكيمياء في الأردن. مجلة اتحاد الجامعات العربية للتربية وعلم النفس، 12(2)، 95-114. استرجع في 6 تشرين الأول 2019 من موقع:

         http://search.shamaa.org/PDF/Articles/SYAaujep/AaujepVol12No2Y2014/

الروادي، نعيم. (2007). التنمية الشاملة للمجتمع وإعداد معلم المستقبل: معادلة مطلوبة. بيروت: الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية.

زيتون، عايش محمود. (2007). النظرية البنائية واستراتيجيات تدريس العلوم. عمان: دار الشروق

 الهويدي، زيد. (2008). الأساليب الحديثة في تدريس العلوم. العين: دار الكتاب الجامعي.