النشاطات اللاصفية، أهميتها، أنماطها ومعايير تفعيلها
د. عبدالله الموسوي
مقدمة
إنّ الحديث عن النهوض بالمجتمع وتطويره، يتطلب عناصر بشرية تمتلك الكفاءة في أدائها والمهارة في عملها. وهذا النوع من الأفراد اصبح يتطلب هو الأخر اسلوباً جديداً من التعليم والتعلم. فالمستجدات الراهنة وتكنولوجيا المعلومات والتقدم العلمي، عوامل فرضت واقعاً مختلفاً ونوعية معينة من الأفراد، فالحاجة اليوم لم تعد تقتصر على عناصر بشرية تملك المعرفة فحسب، بل عناصر تجيد الإتقان والكفاءة في أدائها والمهارة في عملها. فالكم الهائل من حملة الشهادات الذين يتخرجون سنوياً، ويتزاحمون في سوق العاطلين عن العمل، وبعضهم قد يجد ملاذاً في الهجرة الى الخارج، او يجد عملاً أقل مما تعلمه او بخلاف ما تعلمه. وفي كل الحالات تلك هي تضحية بمقدرات البلد وهدر لموارده.
وقد يعتقد البعض ان وراء الفائض من الخريجين هو في عجز المؤسسات الاقتصادية عن استيعابهم، الا ان هذه الإعتقاد يبقى غير صحيح في ظل نظام تعليمي لم يمدهم بموقومات النجاح، فالتعلم الحقيقي ليس مجرد علامات نجمعها او امتحانات نجتازها. بل هو عبارة عن نظام من العلاقات المتشابكة والمعقدة.
والتعلم الحقيقي يتم عن طريق خلق وضعيات تعلم حقيقية من خلال النشاطات المدرسية وتحديدا اللاصفية منها. فالطالب يعيش الحياة بمعرفة، ويبني صلة معها بمجهوده، فينمو على الثقة بالنفس. وهكذا يصبح قادرا على أن يساهم في بناء مجتمع متقدم حر قادر على الحياة والتطور.
ذلك أنّ التعلم داخل غرفة الصف تجعل المتعلم غير قادر على اطلاق طاقاته بصورة صحيحة. فالتكيّف بين المتعلمين الذي تؤمنه النشاطات المدرسية، لا سيما تلك التي يمارسها خارج الصف، يساهم في تحقيق التفاعل الإجتماعي الايجابي في ما بينهم، كما يسهم في تكوين الفرد اجتماعيا بحيث يصبح قادرا على الإهتمام بذاته وتنمية شخصيته من جهة والإسهام في التفاعل مع مجتمعه من جهة ثانية.
فإذا كانت المناهج الدراسية والتي تعتمد المواد الدراسية وما أكثرها في بلادنا، لا يمكن أن تشتمل على كل المعارف والقيّم والمواقف التعليمية والتي قد يحتاجها المتعلم عند انخراطه في الحياة العامة وتفاعله مع المجتمع الذي يعيش فيه، وإذا كان التعليم داخل غرفة الصف والذي يتاح للمتعلم خلال فترة قصيرة لا يسمح له بإكتساب المهارات أو التدريب المطلوب لاسيما في الصفوف التي تكتظ بالمتعلمين. فإنّ النشاطات التربوية اللاصفية والتي يمارسها المتعلم إنطلاقًا من رغباته ووفق إحتياجاته وبصورة هادفة وتحت إشراف معلميه وتوجيهاتهم، وبما تخلق له من مساحة حرة للتفاعل مع رفاقه والمشاركة معهم بكل ثقة وإطمئنان، تعد ضرورة تعليمية كونها تسهم في تنمية شخصيته من مختلف الجوانب الفكرية، الصحية-الجسدية، التفسية-الانفعالية والاجتماعية وبالتالي تساعده على التكيّف الناجح المواقف المختلفة التي تواجهه في حياته، وتعزز لديه الإندماج اليسير في مجتمعه .
مفهومها:
هي تلك البرامج التي تضعها أو تنظمها الأجهزة التربوية، لتكون متكاملة في البرنامج التعليمي، والتي يقبل عليها الطلاب برغبة، ويزاولونها بشوق وميل تلقائي، بحيث تحقق أهدافا تربوية معينة، ، او بإكتساب خبرة، او مهارة ، او اتجاه علمي، او عملي، داخل المدرسة، او خارجها، أثناء اليوم الدراسي، او بعد إنتهاء الدراسة، على ان يؤدي ذلك إلى نمو في خبرة الطالب، وتنمية هواياته، وقدراته، في الإتجاهات المرغوبة
كما تعرف بأنها برامج اضافية خارج قاعات الدرس تستكمل بها المدرسة وظيفتها الإجتماعية، والتي يمارسها الطلاب اختياريا وغير متضمنة في المناهج المدرسية، وذلك بدافع ذاتي من الرضا الشخصي الذي ينتج عنها، وتقدم هذه البرامج بهدف نمو الفرد والجماعة وتحقيق الأهداف الإجتماعية المنتقاة المرتبطة بأغراض الفرد وأغراض المدرسة بما يعزز تنمية روح الإنتماء والمواطنة الصالحة ورفع الروح المعنوية لممارسيها من التلاميذ.
فالنشاطات اللاصفية ّاذًا هي تلك الأنواع المختلفة من الممارسات الحرة التي يؤديها الطلاب وفق اختيارهم وميولهم واستعداداتهم سواء قاموا بها داخل المدرسة او خارجها على ان يكون الهدف منها تحقيق النمو المتكامل والسليم في شخصية المتعلمين واعدادهم كمواطنين صالحين في المجتمع والحياة وذلك تحت إشراف وتوجيه وتخطيط من إدارة المدرسة والأساتذة.
خصائصها:
- نشاطات مدرسية: يتم تنفيذها تحت اشراف وتوجيه من قبل الإدارة المدرسية والأساتذة.
- نشاطات حرة وطوعية: هي أنشطة غير مقيدة بمكان او زمان والمتعلمون يختارون النشاطات التي يرغبون مزاولتها دون ان تكون مفروضة عليهم.
- نشاطات مخططة ومتنوعة: تخطط المدرسة لهذا النشاطات فترسم أهدافها وتبين انواعها والإمكانات المادية والبشرية التي تتطلبها، وتحدد خطوات تنفيذها بصورة واضحة وطرق تقويمها.
- نشاطات فرقية منظمة وتعاونية: يتم ممارستهاا من قبل جماعة المتعلمين وبصورة تشاركية.
- إنها مصنع الإبداعات، وبواسطتها تكتشف الطاقات فتسمح بتنميتها وزيادة فعاليتها.
- نشاطات محببة: يقبل عليها المتعلم بشوق ورغبة وبإندفاع ذاتي، فهو يشعر أنها تلبي رغباته وتحقق تطلعاته وتنمي ميوله ومواهبه وتساعده بالتالي على بناء مساره المستقبلي
وظائفها:
توفر النشاطات اللاصفية وظائف اساسية وذلك كما يلي:
- تنمية سمات القيادة لدى المتعلمين مثل المرونة وتحمل المسؤولية والإتزان الإنفعالي والروح المرحة بجانب تنمية مهارات العمل التعاوني والفهم الأوسع للمشكلات الإجتماعية.
- مساعدة المتعلمين على إكتساب الخبرة القائمة على نشاط مقصود يبدأ بالرغبة التي تحددها وتنظمها فكرة النشاط وكذلك مساعدتهم على نمو الخبرة في التخطيط والعمل في فريق.
- تحقيق مفهوم التعلم الذاتي والتعلم المستمر والتعلم بالعمل لدى التلاميذ.
- معالجة بعض مشكلات المتعلمين الذين يميلون إلى الإنطواء والعزلة أو الذين يغلب عليهم الخجل والإرتباك.
- تنمية ثقة المتعلمين بانفسهم واحترام الأنظمة والقوانين والتوفيق بين مصالح الفرد والجماعة بجانب إعداد التلاميذ للمواطنة السليمة، وذلك بتعريفهم على واجباتهم ومسؤولياتهم.
- تأكيد النواحي الأخلاقية وتنميتها لدى التلاميذ وذلك عن طريق إقامة العلاقات الإجتماعية الطيبة والتحلي بالروح الرياضية.
- تنمي التعبير عن الأراء باسلوب سليم، إضافة إلى تنمية ميول المتعلمين ومواهبهم.
- تدريب المتعلمين على خدمة البيئة والمساهمة في تطويرها.
- للنشاطات اللصفية اثر ايجابي في التحصيل الدراسي حيث تزوّد المتعلمين المشاركين بها بفوائد عديدة في المجال الأكاديمي فهي تنمي الطموح العلمي.
- النشاط الالصفي يوفر دقة التقويم، فإن ممارسة الطالب للنشاط يوضح بصورة افضل ذلك الأداء ومقدار التغير في السلوك بخلاف الإختبارات التي غالبا ما تركز على الحقل المعرفي والحفظ والتذكر.
أنماطها:
يتنوع النشاط اللاصفي بتنوع رغبات التلاميذ واستعداداتهم وميولهم المختلفة، فهناك الوان من هذه النشاطات المدرسية عديدة ومتنوعة، منها النشاطات الثقافية، العلمية، الإجتماعية، الفنية والرياضية.
النشاطات الإجتماعية:
يرمي هذا النمط من النشاطات إلى تنمية الجوانب المتعددة للطلاب تحقيقا للوظيفة الإجتماعية للمدرسة والمتمثلة بإقامة علاقات وصداقات وحب العمل وخدمة المجتمع، واحترام الأنظمة والقوانين والعمل من خلال الجماعة على تنمية المهارات الإجتماعية، وتقوية العلاقة بين المدرسة والمجتمع. ومن النشاطات الإجتماعية الجمعية التعاونية المدرسية، جماعة المحافظة على جمال الطبيعة، و جماعة الرحلات والزيارات.
النشاطات الثقافية:
تهدف إلى اثراء معارف الطلاب وخبراتهم، وتوسيع مداركهم مستخدمين في ذلك الإنتاج الأدبي والفكري أو الفني ضمن جماعات منظمة، مع استخدام اللغة استخداماً موجها في تلك الممارسات التي تتطلب الحديث والاستماع والقراءة والكتابة، كما يهدف النشاط الثقافي إلى إكساب المتعلم قدرا من المعارف والمعلومات المتنوعة.
تتعدد وتتنوع النشاطات الثقافية فهي تشمل: الإذاعة المدرسية، إعداد وإخراج الصحف المكتوبة والمطبوعة والمصورة وتحريرها، وإلقاء الخطب في المناسبات المختلفة، المكتبة المدرسية والمناظرات والندوات والمحاضرات الأدبية والثقافية وغيرها.
النشاطات الفنية:
تستهدف النشاطات الفنية صقل مواهب الطلاب في المجالات الفنية وتنمية الحس الجمالي لديهم، وتنظيم المدرسة وتجميلها باللوحات الفنية وبعدد من الأعمال المفيدة، وتنمية الوعي بالثقافة الفنية والتزود بالمفاهيم والقيم الفنية المتنوعة. وهي تشمل عادة النشاطات المتعلقة بالتمثيل والمسرح، الموسيقى والغناء والأناشيد، والرسم.
النشاطات الرياضية:
تهدف الى مساعدة المتعلمين على الإنتفاع بأوقات فراغهم واستثمارها استثمارا نافعا واتاحة الفرصة لهم لممارسة هواياتهم الرياضية، وتنمية الثقافة الرياضية لديهم. وهو يهدف ايضاً الى توعية المتعلمكين على اهمية الرياضة وتشجيعهم على ممارستها كأسلوب لتحقيق الحياة الصحية السليمة والتناسق الجسمي والقوام السليم. ومن مجالات هذه النشاطات الألعاب الجماعية(كرة القدم – كرة اليد - كرة السلة)، الألعاب الفردية(السباحة – ألعاب القوى – تنس الطاولة) وغيرها.
النشاطات الكشفية:
تقوم على ترسيخ مبادئ حفظ النظم وحب التعاون والعمل التطوعي ومساعدة الآخرين وخدمة المجتمع وتعزيز الإنتماء والولاء للوطن والمجتمع الذي يعيش فيه المتعلمون
النشاطات العلمية:
تتم ممارسة النشاط العلمي من خلال تكوين جماعة أو اكثر أو نوادي العلوم في المدرسة، حيث تعمل هذه الجماعات او النوادي على القيام برحلات علمية لدراسة الطبيعة وعناصرها من نباتات وحيوانات وتربة، او القيام بالتجارب والإختبارات العلمية، او استخدام الوسائل التكنولوجية كالكمبيوتر والإنترنت والمسابقات العلمية. بهدف تدريب المتعلمين على اساليب وطرق البحث العلمي، وتشجيعهم على القيام ببحوث تهم المجتمع، وتنمية الفكر العلمي والإبداعي، والإطلاع على الحقائق العلمية والاراء النظرية وفهم المبادئ العلمية للإختراعات.
النشاطات المهنية والحرفية:
تشمل هذه النشاطات أندية معلم المستقبل وصانع المستقبل التي تقوم ببعض الأشغال اليديوية كأعمال الخشب(سندات الكتب، نقالات الورق)، اعمال الخزف والنحت (تشكيلات فنية للاواني والأطباق والمزهريات)، اعمال تجارية (تنظيم الملفات واعداد الوسائل التجارية والإطلاع على اعمال البنوك والشركات) و أعمال زراعية(تربية الدواجن وتنسيق الحدائق وغيرها).
معايير اختيارها وتفعلها:
- ان تتنوع النشاطات وتتلاءم مع مستوى نضج المتعلمين وخصائص نموهم.
- ان تكون النشاطات المدرسية مناسبة لظروف البيئة وملائمة للإمكانات المادية والبشرية المتاحة في المدرسة.
- ان تتسم النشاطات المدرسية بالمرونة من الناحية التنفيذية وتكون قابلة للتقويم المستمر إنطلاقًا من ما يحققه النشاط من اهداف تربوية وما يغرسه من قيم في نفوس المتعلمين.
- ان تخضع النشاطات للملاحظة الدقيقة والمستمرة من قبل المعلم.
- ان يجعل النشاط المتعلم اكثر فعالية وحيوية في الإقبال عليه.
- ان يتيح النشاط للمتعلمين ابراز مواهبهم وقدراتهم المتميزة والتعبير بحرية افكارهم.
- ان تكون النشاطات اللاصفية مكملة للمنهج الدراسي ووثيقة الصلة به.
- أن تهيء النشاطات الظروف المناسبة للعمل الجماعي والتعاوني بين المتعلمين.
- أن تستخدم خلال النشاطات طرق واساليب ووسائل تعليمية مناسبة وان تتوفر الإمكانات البيئية المناسبة من مرافق المدرسة كالملاعب والمسارح والتجهيزات الملائمة من البسة رياضية أو أدوات للعمل اليدوي والزراعي وغيرها وبحسب كل نمط من انماط هذه النشاطات.
- ان تميل النشاطات نحو ميادين الإنتاج والعمل الهادف الذي ينتفع به المتعلم.
المراجع:
- حجي، أحمد إسماعيل. (2001). إدارة بيئة التعليم والتعليم:النظرية والممارسة داخل الفصل
والمدرسة(ط. 2 مزيدة ومنقحة). القاهرة: دار الفكر العربي - شحاتة، حسن. (2004). النشاط المدرسي: مفهومة ووظائفه ومجالات تطبيقه (ط. 8). القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.
- عبابنة، صالح أحمد، والزبون، محمد سليم، والسرحان، خالد علي. (2014). إدارة الشؤون الطلابية في مدارس التعليم العام. عمان: دار السيرة للنشر والتوزيع.
- العجمي، محمد حسنين.(2011). الإدارة الذاتية للمدرسة والصف. عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
- عطوي، جودت عزت. (2013). الإدارة المدرسية الحديثة: مفاهيمها النظرية وتطبيقاتها العملية. عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
- الفاضل، أحمد بن محمد.(د.ت.). النشاطات المدرسية: ماهيتها وأهميتها ومجالاتها. http://faculty.ksu.edu.sa/alfadhil/ DocLib