إعداد الطّلبة على المستويين الشّخصيّ والاجتماعيّ مُخْرَجٌ أساسيٌّ في التّعليم.
د. بثينة بيضون
يُعتبر "تقدير ذات الطالب" من أهم الممارسات التعليميّة. في هذه الممارسة، يُحدّد المعلّم آليَّة تواصله مع الطّلّاب، وآليَّة التَّواصل بين الطّلّاب أنفسهم، وعدد السّاعات الّتي يجب أن يقضيها معهم، وذلك بالاستناد إلى مجموعة التّوقّعات الّتي يبنيها عنهم وعن نفسه؛ لذا عليه أن يكون واضحًا في الإفصاح عن كمّيّة الجهد والوقت المطلوبين من المتعلّمين أسبوعيًّا.
يُضاف إلى ذلك، رابعًا، التّركيز على نشاط العصف الذّهنيّ، وحثّ الطّلّاب على الإنتاج، والمشاركة في الشّرح، واستنباط الأفكار، والبحث عن المعلومات، وتفعيل عمل المجموعات؛ فهذا يخلق جوًّا إيجابيًّا من العمل التّعاونيّ، ويُحفّز على مشاركة الأفكار بين الطّلّاب، والأخذ بالحسبان تقدير الطّالب ذاتَهُ؛ إذ يُشجّع المعلّمون أعمال الطلّاب وإنجازاتهم مهما كانت بسيطةً، ولا يستخدمون أساليب العقاب الجسديّ أو النفسيّ (التَّخويف، التَّهديد، الإهانة)، بل تتبنّى المدرسة أساليبَ متفقًا عليها مع المعلّمين لإظهار الاحترام للطلّاب وتهيئة مناخ عاطفيّ إيجابيّ ينعکس سلوكًا اجتماعيًّا متكرّرًا في المدرسة (المودّة، المحادثات، الضّحك المشترك...). ويجب أن تتوافر لدى المدرسة برامج تدريبيّة للمعلّمين بأساليب التَّعامل مع الطّلاب لضمان بيئةٍ تربويّةٍ تحترم مشاعرهم وتُقدّر إسهاماتهم. كما أنَّ إعداد الطّلبة على المستويين الشّخصيّ والاجتماعيّ مُخْرَجٌ أساسيٌّ في التّعليم، فليس المهمّ مراقبة انضباطهم فحسب، بل يُفْتَرَض تتبّعُ تطوّرهم في مدى اكتسابهم الثّقة بأنفسهم، وقدرتهم على القيادة، والتزامهم أخلاقيّات العمل، وأخلاقيّات استخدام المصادر التّكنولوجيّة، ومواقفهم وسلوكهم تجاه التّعلّم في الدّروس، وفي علاقتهم بالهيئتين الإداريّة والتّعليميّة، وبزملائهم، وباحترامِهم المدرسةَ وأنظمتَها، وكلَّ ما تقدّمه، وتمثيلهم القيمَ الوطنيّةَ، ووعيهم الصحيّ والبيئيّ، وقدرتهم على المنافسة والابتكار.
ولئن انتقلنا إلى الكلام على واقع قطاع التَّعليم المهنيّ والتّقنيّ في لبنان، فنجد أنَّه – في ظلّ ما يشهده البلد من الوضع القائم المأزوم على غير صعيد – قطاع يفتقد وجود جهاز التَّدريب، وهو ما يحرم المعلّمَ التَّأهيلَ والإعدادَ اللّازمين قبل مباشرة الخدمة؛ وهذا ما ينعكس عليه سلبًا فيحرمه فرصة الاطّلاع على ماهيَّة تلك المهنة من خلال مقرّرات علم النَّفس وعلم الاجتماع وغيرهما من الموادّ الَّتي تؤهّله وتوجّهه إلى أدبيّات مهنة التَّعليم؛ وتتفاقم المشكلة أكثر فأكثر إن لم يكن لديه الفضول للمطالعة وتحصيل الثَّقافة تحصيلًا طوعيًّا ذاتيًّا مرتبطًا بتلك الشَّريحة الَّتي يتوجَّه إليها بالتَّعليم، وبمرحلتها العمريَّة الصَّعبة التَّعامل مع أفرادها، وما تحتاج إليه من تعزيز وتشجيع ورفع من ذاتيَّة الطّالب. فما يزيد الأمر سوءًا، وما ينتج منه، هو عدم قدرة المعلّم على التَّعامل مع تلك الأعمار؛ ومن ثَمَّ فلن يُقدّر المعلّم في التَّعليم المهنيّ والتّقنيّ في لبنان أهمّيَّة تلك الممارسة، وما تتركه من أثرٍ في بناء شخصيَّة الطّالب من ناحيةٍ، وفي تهيئته لسوق العمل من ناحيةٍ أخرى.