عدم تلبية حاجات السّوق والبعد من الاختصاصات المطلوبة من الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة البطالة في لبنان

 

د. بثينة بيضون

أعدَّت مجلَّة "Executive" تقريرًا حول الأسباب الكامنة خلف البطالة في سوق العمل اللبناني، وذلك بالاستناد إلى دراسة أعدَّتها منظَّمة "ميرسي كور"، لمعرفة أسباب قلَّة توظيف الشَّباب اللّبنانيّ، وقد شملت الدّراسة إجراء مقابلات مع عيّنة من 800 شخص من أصحاب العمل.

وقد بيَّنت نتائج تلك الدّراسة أنَّ 60% من حجم العيَّنة أعطوا نتيجة مفادها أنَّ هناك ثلاث أسباب رئيسة تقف وراء قلّة فرص العمل للشَّباب اللّبنانيّ: السَّبب الأوَّل يعود إلى ضعف مهارة التَّواصل لدى شريحة من الشَّباب اللّبنانيّ تتراوح أعمار أفرادها بين 16 و25 عامًا، وهو ممّا يقلّل الفرص في وظائف البيع بالتَّجزئة، أو الشَّركات الدّوائيَّة، وغيرها من الوظائف في قطاع الخدمات كالمطاعم؛ والسَّبب الثّاني يعود إلى أنَّ الشّباب اللّبنانيّين والسّوريّين والفلسطينيّين يدرسون اختصاصات لا تتماشى مع احتياجات سوق العمل اللّبنانيّ، وتبيَّن أنَّ سوق العمل بحاجة إلى مهن في مجالات تقنيَّة كالكهربائيّين والميكانيكيّين، وفي مجال الزّراعة والتّكنولوجيا والعلوم... في حين ينحصر اختيار التَّخصُّصات لدى الشَّباب اللّبنانيّ في مجال المحاسبة والتَّسويق. كما أكَّدت الدّراسة أنَّ السَّبب الكامن خلف رفض الشَّباب اللّبنانيّ بعض تخصُّصات يتأثَّر بنظرة المجتمع إليها؛ لأنَّ سوق العمل يحتاج إلى عدد كبير من الخبراء في إدارة النّفايات والصَّرف الصّحّيّ مثلًا. وأوضحت الدّراسة أنَّ الشَّباب السّوريّ والفلسطينيّ يعمل في تلك المهن الَّتي تتطلَّب مجهودًا كبيرًا، وهو بذلك لا يؤثّر في نسبة البطالة لدى الشَّباب اللّبنانيّ لكونه لا ينافسه في مجالات أخرى أيضًا. ومن الأسباب الَّتي قدَّمها أصحاب العمل لتفضيلهم توظيف شباب فلسطينيّين أو سوريّين ما له علاقة بقبول هؤلاء بنسب أجور متدنّية، ومن دون توقيع أيّ عقد رسميّ يلزمهم بخدمات اجتماعيَّة كالضَّمان الاجتماعيّ مثلًا. في المقابل، صرَّح أصحاب العمل بأنَّ المناصب الإداريَّة تكون عادةً من نصيب الشَّباب اللّبنانيّين؛ لأنَّها تتطلَّب تعاطيًا مباشرًا مع عملائهم. إذ وصلت نسبة البطالة من خلال الإحصاءات الَّتي أجرتها الدّراسة إلى 36% بالإجمال و42% في صفوف الشَّباب بين 18 و24 عامًا. كما أشار خبراء توظيف في لبنان إلى أنَّ عمليَّة التَّوظيف ستشهد تغييرًا في المستقبل من خلال استبانة أجراها موقع "بيت. كوم"، وأنَّ النّسبة الكبيرة ستكون لوظائف الأنترنت. كما بيَّنت نتائج تقرير "مستقبل سوق العمل في الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا " أنَّ معظم الشَّركات اللّبنانيَّة تفضّل توظيف من يمتلكون مهارات شخصيَّة وتقنيَّة جيّدة، وجاءت النَّتيجة وفق النّسب الآتية: العمل الجماعيّ (94٪)، والتَّواصل (94٪)، وإدارة الوقت (93٪)، والتَّفكير الإبداعيّ (90٪)، والقدرة على التَّكيّف (81٪).

بناء على ما قدَّمناه، نستطيع القول بحسب تلك الأرقام إنَّ مؤشّر نسبة البطالة مرتفع في سوق العمل اللّبناني لسبب رئيس قد يكون أوَّلًا ناشئًا من الوضع الاقتصاديّ المتردّي وما آلت إليه ظروف البلاد، وثانيًا من عدم تلبية حاجات السّوق والبعد من الاختصاصات المطلوبة، وجهل الطّالب في المجال الأكاديميّ بقطاع التَّعليم المهنيّ والتّقنيّ. وهنا يبرز دور الأهل في توجيه أبنائهم إلى اختيار الأفضل من خلال النّصح والإرشاد ومتابعتهم لهواياتهم والعمل على إثرائها وتحويلها إلى مهنة ربّما، ومراقبة قدراتهم في سنّ مبكرة؛ فقد يحوّلون موهبة معيّنة فيهم إلى مستقبل واعد، وتوجيههم نحو المستقبل المهنيّ إن لزم الأمر؛ لأنَّ الاختصاص المهنيّ والتّقنيّ يحصر المادَّة التَّعليميَّة، ويُخفّف من عبء الموادّ الَّتي قد لا يحتاجها الخرّيجون في سوق العمل في المجالات الأخرى. ولذلك ندعو أيضًا إلى فتح المسار بين التَّعليم الأكاديميّ والتَّعليم المهنيّ والتّقنيّ، وإلى عقد ندوات ومحاضرات تعرّف الطّلّاب في الشّقّ الأكاديميّ بالتَّعليم المهنيّ والتّقنيّ، ورسم مسارات جديدة تتيح لهم الانفتاح على ما يتطلَّبه سوق العمل اللّبنانيّ واقعيًّا.